مراجعة رواية العطر: قصة قاتل
أي رأس يحمل ذلك الباتريك على كتفيه
أعني ..
حقا كيف استطاع انتاج أعجب كائن في تاريخ الأدب الإنساني؟
كيف رأه في عقله قبل ان يخطه على الورق..؟
كيف نشأ هذا الغرينوي في تلابيب أفكاره...؟
هل اشتمه ذات ليلة يا ترى
فقرر تحويل عطره الفريد إلى سطور ادبية..؟؟
لا يمكن!!
فغرينوي لا رائحة له
وهذه هي الطامة الكبرى... غرينوي ولد بصفات غير بشرية
يحمل في داخله الأسطورة القديمة ليتيم فقير دميم
كرهه الجميع ونفروا منه من اللحظة الأولى
حتى أمه-في مشهد من أشنع ما يكون
تتخلص منه فور ولادته وهي جالسة على مشنتها العطنة في سوق السمك
غرينوي مكروه
غرينوي مسكين
غرينوي بلا أهل
..
مهلا..
هل تظن القصة مكتوبة في القرن الثامن أو التاسع عشر
عن فتى مسكين يتعرض لقسوة الحياة والظروف
هل تظنه أوليفر تويست؟؟ لا تدع كلماتي تخدعك
غرينوي شرير
غرينوي غير طبيعي
غرينوي مخيف
تخيل كائن ما ينبض أمامك ويتنفس دون أي رائحة تصعد منه
عندما تقترب من كائن كهذا وتتأكد من خلوه من اية رائحة كانت
يقشعر بدنك
تخاف الاقتراب منه
فإن عرفت أننا في زمن بعيد بعيد
حيث تسيطر أفكار اللعنات والشياطين على عقول مغرقة في الجهل والفقر
تعرف لما كان غرينوي يبعث النفور في الآخرين جميعا
كل هذا في جوٍ لا ينسى زوسكند أن يخبرك عن مدى نتانته
فرائحة باريس في الشوارع الفقيرة بالذات لا تطاق
عندما يكبر غرينوي ويتعلم صنعة استخلاص العطور
لا يكفه الورود
فأنفه الخارق الذي يعرف ما لا يعرف إنس ولا جان
يحاول أن يستخلص عطر كل شيء
وأنا أعني كل شيء
عندما يبدأ غرينوي في القتل
عندما يبدأ سحق الفتيات الجميلات
عندما يبدأ في استخراج شهقات الرعب من أعمق أعماقك
أنت لا تكرهه
حسنا
أنا لم أكرهه
بل إنني حتى كنت في بعض الأحيان أخاف على أمره أن ينكشف
غرينوي استطاع سلخنا من مشاعرنا الآدمية
لنلهث وراء قداسة عطره السري
ولكن ابدا لم نتخيل أنه به يستطيع امتلاك العالم وإحناء هامة الجميع
أبدا لم نتخيل أن لمؤلف هذه القدرة الفذة على استخراج خيالات وصور لم تجرؤ أهم قصص الفانتازيا على تصورها
وأبدا أبدا أبدا لم نتخيل هذه النهاية
وهي العجب ذاته
ابتلاع الآخرين لغرينوي
شعوره بالحب للمرة الأولى
أنه حقا مرغوب من الآخرين
مرغوب لدرجة الالتهام.
الرواية تجربة شديدة التميز
وحالة عجيبة من الفانتازيا والرعب
وكل هذا مضفور في أسلوب بارع للكاتب
استطاع به أن يحكي الكثير عن النفس البشرية
لكائن أبعد ما يكون عن البشرية بمعناها العام.
تعليقات
إرسال تعليق